سؤال
رقم مرجعي: 327092 | الصلاة | 14 إبريل، 2022
حكم قراءة الحائض للقرآن، وحكم القراءة من غير وضوء.
هل يجوز للحائض قراءة القران في رمضان عن الجوال؟ وهل يجوز قراءة القران في الايام العادية دون وضوء مثلا ان كان الشخص خارج المنزل واراد ان يقرا القران ف هذا جائز؟
إجابة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق سيدنا محمد الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد؛
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بالإشارة إلى سؤالك المثبت نصه أعلاه، فإن قراءة الحائض القرآن مسألة اختلف فيها العلماء، وكذلك قراءته من غير وضوء، وقد أجاز مجلس الإفتاء الأعلى في فلسطين قراءة الحائض لكن من غير مس المصحف، وذلك غيبا أو من الأجهزة المختلفة، كما أجاز القراءة من غير وضوء ولو مع مس المصحف، جاء في قرار 2/109 الرقم 230/2013/15 بتاريخ 19/9/2013: (( حكم قراءة الحائض، والمحدث حدثاً أصغر للقرآن الكريم والمحدث حدثاً للقرآن الكريم؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد؛
فإن كلام الله جل شأنه أعظم كلام، ولقد أقسم الله تعالى على كرامة القرآن، فقال: { فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ }[ الواقعة: 75 - 79] .
ولأجل ذلك اعتنى علماء المسلمين بدراسة الحكم الشرعي المتعلق بقراءة المحدث حدثاً أصغر وأكبر للقرآن ومس المصحف الشريف، وهاتان المسألتان وقع فيهما خلاف شديد منذ زمن الصحابة الكرام إلى يومنا هذا.
وقد اطلع مجلس الإفتاء الأعلى على أقوال أهل العلم في المسألتين، وبعد المناقشة والبحث المستفيض في الأقوال وأدلتها، فقد توصل إلى الآتي:
أولاً: حكم قراءة المحدث حدثاً أصغر وأكبر القرآن الكريم من غير مس المصحف:
يرى أغلب أهل العلم أن قراءة من به حدث أصغر للقرآن جائزة، ونقل بعض العلماء الإجماع على ذلك، مستدلين بحديث ابن عباس، رضي الله عنهما، في وصفه لمبيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند ميمونة، أم المؤمنين خالة ابن عباس، " فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ اللَّيْلُ، أَوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ، اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَلَسَ يَمْسَحُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَرَأَ العَشْرَ الآيَاتِ الخَوَاتِمَ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى شَنٍّ مُعَلَّقَةٍ، فَتَوَضَّأَ مِنْهَا فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي " [ صحيح البخاري، كتاب الوضوء، باب قراءة القرآن بعد الحدث وغيره ].
ووقع الخلاف بين العلماء في قراءة المحدث حدثاً أكبر، وفرقوا بين الحائض والنفساء من جهة، والجنب من جهة أخرى؛ لأن الجنب يملك إزالة الجنابة بإرادته، في حين أن الحائض والنفساء لا تملكان ذلك؛ لأن عذرهما ليس بيدهما.
وذهب جمهور الحنفية والشافعية والحنابلة إلى تحريم قراءتهما للقرآن وهما في العذر، وقال الإمام مالك، وأحمد في رواية، وبعض علماء الصحابة والتابعين بجواز القراءة، وليس للمانعين دليل صريح أو صحيح يمنع القراءة، بل إن المجيزين استدلوا بما ورد عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " فَافْعَلِي مَا يَفْعَلُ الحَاجُّ، غَيْرَ أَنْ لاَ تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي " [ صحيح البخاري، كتاب الحيض، باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت].
ولا يخفى أن السماح لأم المؤمنين بالقيام بمناسك الحج غير الطواف، يعني السماح لها بالذكر والدعاء، والذكر يشتمل على آيات من الذكر الحكيم غالباً، وعليه؛ فإنه يترجح القول بجواز قراءة الحائض والنفساء للقرآن الكريم.
ولم يجز جمهور المذاهب الأربعة للجنب قراءة القرآن مستدلين بأحاديث لم يتفق على صحتها، ومنها ما ورد عن علي، رضي الله عنه، أنه قال: " كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقْرِئُنَا القُرْآنَ عَلَى كُلِّ حَالٍ مَا لَمْ يَكُنْ جُنُبًا " [ سنن الترمذي، كتاب الطهارة عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في الرجل يقرآ القرآن على كل حال ما لم يكن جنباً، وقال أبو عيسى: حديث حسن صحيح ].
بينما أجاز ابن عباس، وداود، والطبري، ورجحه ابن حزم، وابن المنذر، وروي ذلك عن مالك، وهو ظاهر تبويب البخاري في صحيحه بجواز قراءة الجنب، وضعفوا أدلة المانعين مستدلين بما ورد عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ اللهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ " [صحيح مسلم، كتاب الحيض، باب ذكر الله تعالى في حال الجنابة وغيرها ]، واستدلوا بالبراءة الأصلية، والأحوط الأخذ برأي الجمهور؛ صيانة لكلام الله تعالى، وصراحة الدليل المانع، ولأن الجنابة يمكن إزالتها بالاغتسال، وهذا يشمل ما لو قرأ المحدث غيباً، أو من شاشات الحواسيب، والأجهزة الخلوية، أو أمسك المصحف بحائل.
ثانياً: حكم مس المحدث المصحف:
يرى جمهور المذاهب الأربعة أن مس المصحف ممن به حدث أصغر أو أكبر ( الجنب، أو الحائض، أو النفساء) حرام، لقوله تعالى: { لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ } [الواقعة: 79 ]، إلا أن الآية الكريمة تحتمل تفاسير عدة، كما استدلوا بأحاديث عدة مختلف على صحتها، وأجاز بعض العلماء مس المصحف لمن به حدث أصغر، واستثنى المالكية المعلمة الحائض، والمتعلمة، والتي تتعالج بالرقية، أو تعالج بها، فيجوز لهما مس المصحف والقراءة، ولكن قالوا إن مسه بوضوء أفضل.
والراجح منع المحدث حدثاً أكبر من مس المصحف، صيانة لكلام الله تعالى، ولا بأس من مس المحدث حدثاً أصغر للمصحف، ومسه بوضوء أفضل بلا شك، تأدباً مع كلام الله تبارك وتعالى.))
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل