سؤال
رقم مرجعي: 361870 | الأيمان والنذور | 9 ديسمبر، 2019
حلفت على المصحف الشريف ان أترك الدخان ورجعت للدخان ماهي الكفارة؟
اناحلفت على المصحف الشريف ان أترك الدخان ورجعت للدخان ماهيه الكفاره
إجابة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق سيدنا محمد الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد؛
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بالإشارة إلى سؤالك المثبت نصه أعلاه، فإن العلماء المعاصرين اتفقوا على وجوب ترك التدخين وذلك لأضراره وآثاره السلبية، وقد استقرت الفتاوى على ذلك، فتارة يصرحون بكونه مكروها كراهة تحريمية، وتارة يعبرون عن ذلك بالحرمة، وقد بين سماحة المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية الشيخ محمد حسين حفظه الله حكم التدخين عندما سئل عن حكم فتح محل لبيع الدخان والنارجيلة، وأنه مكروه كراهة تحريمية، فقال: (( الشريعة الإسلامية تقوم على أمور خمس، هي: حفظ حياة الإنسان وعقله وماله ودينه وعرضه، وعلى هذا فقد نهى الإسلام عن تعاطي أي شيء يعود بالضرر على جسم الإنسان، أو عقله، أو ماله، أو عرضه، أو دينه، فعن أم سلمة، رضي الله عنها، قالت: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ وَمُفَتِّرٍ» [سنن أبي داود، كتاب الأشربة، باب النهي عن المسكر، وقال ابن حجر في فتح الباري: إسناده حسن، وصححه الزين العراقي في فيض القدير: 6/338].
والهيئات العلمية والمراكز الطبية والصحية فصلت في بيان مدى تأثير التدخين على جسم الإنسان، وأثبتت أنه سبب رئيس للإصابة بكثير من الأمراض الخطيرة، وذهب معظم علماء الشريعة إلى تحريمه، ووجوب الإقلاع عنه؛ لأن الإسلام أحل الطيبات، وحرم كل خبيث وضار، فقد قال الله تعالى: ﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ﴾ [الأعراف: 157]، ورسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: «لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ» [مسند أحمد، مسند بني هاشم، مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، وصححه الألباني].
وحيث إن هذه المسألة اجتهادية، وتوجد آراء تخالف القول بالتحريم، فنميل إلى القول بالكراهة التحريمية لشرب الدخان والمتاجرة به وبالأرجيلة)) ولا فرق بين المكروه كراهة تحريمية والحرام في وجوب تركه، لكن الفرق في الاعتقاد، بمعنى أن من ينكر حرمة المحرم وهو يعلم يخرج من الملة، لكن من ينكر حرمة المكروه تحريما لا يخرج منها.
وعليه فالأصل في المسلم ألا يتناول الدخان من غير حلف على تركه، و أن يفعل الواجب من غير حلف على فعله، فإذا حلف على ترك الدخان وجب البر في القسم، و إنما يباح الرجوع عن القسم لمن كان رجوعه خيرا له في ميزان الشرع، فعن عبد الرحمن بن سَمُرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَأتِ الَّذِي هُوَ خَيرٌ وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ». متفق عَلَيْهِ.
و بناء على ذلك نقول، إن كان التدخين محرماً فلا يجوز للمسلم ارتكاب المحرمات، وإن كان مكروهاً، فهو من الشبهات التي أمرنا الشرع باجتنابها، فقد قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْحَلاَلَ بَيِّنٌ، وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ، لاَ يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ، اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ، وَقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلاَ وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ» [صحيح مسلم، كتاب المساقاة، باب أخذ الحلال وترك الشبهات]، ثم بالحلف على ترك التدخين، يزيده اليمين تغليظاً وتعظيماً وتأكيداً على لزوم تركه، وعليه؛ فيجب على من حلف بالله تعالى على ترك التدخين أن يُلزم نفسه بتركه، وأن يبر بيمينه، فالله تعالى يقول: ﴿وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا﴾ [النحل: 91]، فلا يعذر الإنسان بحجة أنه لا يستطيع ترك التدخين؛ لأن الانقطاع عنه ممكن في العادة مع العزيمة القوية، والإصرار، وبما أنك انقطعت عنه مدة، فبإمكانك أن تكمل ذلك، خصوصاً وأن التدخين يُعد ذنباً، والإقلاع عنه توبة من هذا الذنب. ولست مضطرا للعودة إليه.
و خلاصة الأمر أن عليك الالتزام بيمينك والبر به والاستعانة بالله تعالى مع الصبر على ترك تلك المعصية، وإذا حصل الحنث في يمينك فيلزمك كفارة يمين بإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم فإن لم تجد فتصوم ثلاثة أيام، ويبقى التدخين معصية ينبغي تركها، والله الموفق والمعين.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل