ادعم فتوى، تبرع الآن

سؤال

رقم مرجعي: 387955 | مسائل متفرقة | 30 يونيو، 2019

ما حكم رسم الوجوه فقط بدون سائر الجسم في عصرنا الحالي وبدون نية مضاهاة خلق الله؟

اليلام عليكم ما حكم رسم الوجوه فقط بدون سائر الجسم في عصرنا الحالي وبدون نية مضاهاة خلق الله

إجابة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق سيدنا محمد الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد؛

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بالإشارة إلى سؤالك المثبت نصه أعلاه، فإن رسم رسم ذوات الأرواح ولو الوجه فقط لا يجوز في الراجح من أقوال العلماء، والتحريم لا يتعلق بقصد المضاهاة بل بالفعل نفسه، فإذا نوى المضاهاة كان جرمه أكبر، والظاهر أن التصوير في نفسه فيه مضاهاة ومشابهة لخلق الله، وليس فيه ما يدل على اعتبار قصد المضاهاة، وعلى فرض أن المراد هو قصد المضاهاة، فيكون ذلك معلقا بهذا الوعيد بخصوصه ـ وهو أنه أشد الناس عذابا ـ لا أن حرمة التصوير معلقة بقصد المضاهاة، وقد سئل سماحة الشيخ محمد أحمد حسين المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية من سائل قال: لدي موهبة الرسم، وخصوصاً رسم الوجوه، فما حكم رسم ذوات الأرواح؟  فأجاب: (( فقد ذهب الجمهور إلى جواز رسم ما لا روح له كالشجر، والحجر، والشمس، والقمر، واقتنائه وتعليقه، أما بالنسبة إلى صناعة الصور المجسمة والتماثيل، ورسم ذوات الأرواح المكتملة، التي لها ظل، فقد أجمع الجمهور على تحريمها، قال النووي: "وأجمعوا على منع ما كان له ظل، ووجوب تغييره" [صحيح مسلم بشرح النووي، 14/82]، واستثنوا من ذلك ما كان مصنوعاً لعبة للصغار، أو كان ممتهناً؛ كالبساط والوسادة، أو مقطوعاً منه جزءاً لا يعيش دونه، أو كان مما لا يدوم؛ كصور الحلوى أو العجين.
واختلف فيما كان مرسوماً باليد على الجدار، والورق، والثياب، ونحو ذلك، فحرمه الجمهور؛ من الحنفية والشافعية والحنابلة؛ لأن الأحاديث جاءت مطلقة في تحريم الصور، ولم تفرق بين المجسم، وغير المجسم، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الَّذِينَ يَصْنَعُونَ هَذِهِ الصُّوَرَ، يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ» [صحيح البخاري، كتاب اللباس، باب عذاب المصورين يوم القيامة]، وقال ابن عباس: سمعت رسول الله؛ صلى الله عليه وسلم، يقول: «مَنْ صَوَّرَ صُورَةً، فَإِنَّ اللَّهَ مُعَذِّبُهُ حَتَّى يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ، وَلَيْسَ بِنَافِخٍ فِيهَا أَبَدًا»، قال ابن عباس: "إِنْ أَبَيْتَ إِلاَّ أَنْ تَصْنَعَ، فَعَلَيْكَ بِهَذَا الشَّجَرِ؛ كُلِّ شَيْءٍ لَيْسَ فِيهِ رُوحٌ" [صحيح البخاري، كتاب البيوع، باب بيع التصاوير التي ليس فيها روح وما يكره من ذلك].
أما المالكية وبعض السلف وابن حمدان من الحنابلة، فذهبوا إلى أن الصورة إذا كانت مسطحة لم يحرم عملها، كالمنقوش في جدار، أو ورق، أو قماش، بل هو مكروه.
أما بالنسبة إلى حكم رسم الصورة غير التامة، كأن يكون الرأس بلا جسد، أو جسد بلا رأس، فقد منع فريق من العلماء مطلقه، وأجازه فريق آخر، ورأى فريق آخر أنه إذا كان ممتهناً جاز، وإن لم يكن ممتهناًً فلا يجوز، وفريق قال: إن كانت الصورة باقية الهيئة، قائمة الشكل، فهو مكروه، ويجوز إذا كانت مقطوعة عضو لا تبقى الحياة مع فقده، كمقطوعة الرأس، أو متفرقة الأجزاء، وهو مذهب المالكية وبعض الحنابلة، ورأى ابن حجر، أن هذا هو الراجح والأصح، والله تعالى أعلم. [فتح الباري: 15/391]
ومن حكمة هذا التحريم أن في هذا التصوير مضاهاة، وتشبيهاً بخلق الله تعالى، وعائشة، رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الَّذِينَ يُشَبِّهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ»، وفي رواية: «الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ» [صحيح مسلم، كتاب اللباس والزينة، باب لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة].
فالأحوط الابتعاد عن رسم ذوات الأرواح وتجسيمها، والاكتفاء بما لا روح له كالأبنية، والشجر، والحجر، والأنهار، وغيرها؛ خروجاً من الخلاف، وأخذاً برأي جمهور الفقهاء، وابتعاداً عن شبهة الحرام، والله تعالى أعلم.))

والخلاصة: إن اعتبار النية يكون في الأعمال التي ليست محرمة في نفسها كالأمور المباحة أو المشروعة قد يطرأ عليها التحريم لنية فاعلها، كمن صلى رياء ففعله محرم لنيته، وهكذا، وأما الأمور المحرمات في أصلها، فنية صاحبها مهما كانت لا تخرجها عن كونها محرمة، وإنما النية قد تزيد الحرمة وتضاعف الإثم  فقياس الشعور بالمضاهاة على الإمام الذي يشعر بالكبرياء غير صحيح بإطلاق، لأن التصوير محرم في أصله دون اعتبار قصد فاعله

والله يقول الحق وهو يهدي السبيل  

لديك سؤال؟

أرسل سؤالك الآن

فتاوى مشابهة