سؤال
رقم مرجعي: 419928 | الميراث و الوصايا والوقف والأحوال الشخصية | 17 فبراير، 2019
حكم الميراث الانتقالي في الأراضي الأميرية، و حكم المزارعة من غير عقد .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: كيف يتم تقسيم الأرض بين الورثة إذا مات المورث قبل عام 1991 أو بعد عام 1991. وكيف يتم اعتبار من قام باعمار الارض والتعب عليها وزراعتها وبذل في ذلك مشقة كبيرة فهل يعتبر له حكم المزارعة؟ علماً أنه لا يوجد عقد مزارعة لأن الناس لم تدرك في الماضي مزارعة أو لا. وبالنسبة للأرض القريبة من العمران ومزروعة بالزيتون هل يجري عليها أيضا حكم المزارعة. اذا اعتبرنا ان هناك مزارعة. لأن الناس الان في دوام الطابو ومنهم من يعتبر أنه صاحب الحق في الأرض وأنه المتصرف فيها ولا يريد أن يعطي البقية ومنهم من يريد أن يقاسم على الاحكم الانتقالي ولا قيمة لمزروع او غير مزروع. أفيدونا يرحمنا ويرحمكم الله.
إجابة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق سيدنا محمد الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد؛
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بالإشارة إلى سؤالك المثبت نصه أعلاه، فإن الميراث الانتقالي موافق لأحكام الشريعة الإسلامية، و هو لا يتعارض مع أحكام الميراث في القرآن و السنة، جاء في فتوى دار الإفتاء الفلسطينية المنشورة على الموقع الإلكتروني تحت الرقم 137 للشيخ أحمد شوباش مفتي محافظة نابلس حول حكم الميراث الانتقالي وقسمة الأرض الميرية: (( فإن الله سبحانه شرع قواعد الميراث، وفصلها تفصيلاً واضحاً، ففي بيان نصيب الأولاد، يقول سبحانه وتعالى :{ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ...}(النساء :11) وهذا شامل لكل ما يتركه الميت.
إلا أن الخليفة العثماني سليمان القانوني رأى في أراضي الدولة – وهي المسماة بالأراضي الأميرية – أن ملك رقبتها يعود لبيت المال، وأن الناس يملكون منفعتها، ويتوارثون تلك المنفعة، وقد عدل على القانون السلطان عبد المجيد فسوى بين نصيب الذكر والأنثى، وهذا ما سمي بالميراث الانتقالي، وظل معمولاً به حتى 16،4،1991م، وكل من مات قبل هذا التاريخ فإنه يجوز شرعاً قسمة أراضيه بحسب هذا القانون، وبحسب ما يرد في حصر الإرث الصادر عن المحكمة الشرعية، ومن مات بعدها قسمت أراضيه بحسب الأنصبة المذكورة في القرآن، وذلك لإلغاء هذا القانون بعد التاريخ المذكور. وإذا تنازلت الأنثى عن نصف حقها في نصيبها لإخوتها الذكور جاز ذلك، وهو حق تنازلت عنه وسامحت فيه. )) وهذا يشمل كل الأراضي الأميرية ما عدا ما كان ملكا حسب وثيقة الطابو، مع العلم أن أغلب أراضي فلسطين من الأراضي الميرية.
و فيما يتعلق بخدمة الأرض فالأصل أن يكون بعقد واضح بين صاحبها ومن يخدمها حتى لو كان أحد الورثة، على أن الأصل في المزارعة أن تكون على حصة مشاعية من الناتج وليس على حصة من الأرض إلا إنت تم التعاقد على ذلك، و قد جاء في قرار مجلس الإفتاء الأعلى رقم 2/29 حول التعويض عن سنوات العمل بطريقة المزارعة لشخص يعمل في أرض بطريقة المزارعة منذ عشرات السنين حيث عمل في الأرض أبوه وجده، فهل يجوز له الحصول على تعويض بسبب بيع الأرض من صاحبها لشخص آخر مما قد يفقد المزارع العمل في المزارعة، وخاصة أنه ( أي المزارع ) حافظ على الأرض من الضياع ومن اعتداء الآخرين؟ (( فالمزارعة لغة: زرع الحب زرعاً، وزراعة: بذره. وزرع الأرض: حرثها للزراعة.
وزارعه مزارعة: عامله بالمزارعة.
المزارعة: طريقة لاستغلال الأراضي الزراعية باشتراك المالك والزارع في الاستغلال، ويقسم الناتج بينهما بنسبة يعينها العقد أو العرف. ( المعجم الوسيط ج1 ص 392)
اصطلاحاً: المزارعة هي كراء الأرض ببعض ما يخرج منها، أي دفع الأرض من قبل مالكها إلى من يزرعها أو يعمل عليها. ( الفقه المقارن، د. محمد سمارة)
مشروعيتها: فقد اختلف في مشروعيتها على قولين:
الأول: إنها غير جائزة: قال بذلك الإمام أبو حنيفة، وزفر، وعند الشافعية إنما تجوز إذا كانت تبعاً للمساقاة للحاجة.
الثاني: إنها جائزة: قال بذلك الجمهور ومنهم: صاحبا أبي حنيفة ( أبو يوسف، ومحمد )، ومالك وأحمد، وداود الظاهري )، ودليلهم: أن النبي - صلى الله عليه وسلم -عامل أهي خيبر بشطر ما يخرج من ثمر أو زرع ). ( صحيح البخاري، كتاب المزارعة، باب إذا لم يشترط السنين في المزارعة )؛ ولأنه عقد شركة بين المال والعمل، فيجوز كالمضاربة، لدفع الحاجة، فصاحب المال قد لا يحسن الزراعة، والعامل يتقنها، فيتحقق بتعاونهما الخير والإنتاج والاستثمار. والعمل والإفتاء عند الحنفية على قول الصاحبين لحاجة الناس ولتعاملهم بها وهذا هو الراجح، والله أعلم ( الفقه الإسلامي وأدلته ج5 ص 613).
ولعقد المزارعة أحكام مبسوطة في كتب الفقه، ولكن نذكّر صاحب السؤال بالأجر الأخروي الذي يكسبه بالإضافة إلى أجره الدنيوي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً، فيأكل منه طير أو إنسان إلا كان له به صدقة ). ( صحيح مسلم، كتاب المساقاة، باب فضل الغرس والزرع )، وقال صلى الله عليه وسلم ( ما من مسلم يغرس غرساً إلا كان ما أكل منه له صدقة، وما سرق منه له صدقة، ولا يرزؤه أحد إلا كان له به صدقة ) ( صحيح مسلم، كتاب المساقاة، باب فضل الغرس والزرع ). ومقتضى الحديث أن الثواب مستمر ما دام الغرس أو الزرع مأكولاً منه، أو منتفعاً به، ولو مات غارسه أو زارعه، ولو انتقل إلى ملك غيره. ( الحلال والحرام، ص 122)
ومهما يكن من أمر فإن مجلس الإفتاء الأعلى يرى أن صاحب السؤال قام بالمزارعة، فلا يجوز له أن يطالب بتعويض مالي، أو بقسم من الأرض بدل أتعاب أو تقاعد؛ لأن عقد المزارعة لا يوجد له تبعات أخرى غير الحصة المتفق عليها من الناتج. ولكن للعامل أن يأخذ مهلة سنة مثلاً حتى يتدبر أمره، أو حتى يحصد الزرع.))
و عليه فإن قسمة الأرض حسب الميراث الانتقالي أمر موافق للشريعة، والمزارعة لا بد فيها من عقد، ومن اعتنى بالأرض من نفسه من غير اتفاق مع أهلها فلا شيء له منها عند القسمة إلا أن يهبوه شبئا منها تطوعا أو مصالحة.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل