سؤال
رقم مرجعي: 498742 | المعاملات المالية المعاصرة |
الاكتتاب في الشركات التي تقترض من البنوك
ما حكم الاكتتاب في شركات مُساهَمة، تعمل في مجالات مشروعة، إلا أنها تقترض من بنوك تجارية ربوية، أو تساهم في رأسمالها مصارف ربوية؟
إجابة
فقد سبق لمجلس الإفتاء الأعلى في جلسته رقم 103 بتاريخ 28/3/2013م أنْ أجاب على سؤال حول حكم التعامل بأسهم شركة يبلغ إجمالي اقتراضها بالربا أقل من 30% من القيمة السوقية لمجمل أسهمها، ولا يتجاوز مقدار الناتج من عنصر محرم 5% من إجمالي إيراداتها، وتتضمن الجواب تحريم التعامل مع مثل تلك الشركة، لأن الربا محرم قليله وكثيره، وبما انّ السؤال الحالي :
" حول ما حكم الاكتتاب في شركات مُساهَمة، تعمل في مجالات مشروعة، إلا أنها تقترض من بنوك تجارية ربوية، أو تساهم في رأسمالها مصارف ربوية؟"
يتقاطع مع ذلك السؤال فنؤكد على حرمة التعامل بأسهم الشركات المُسَاهَمة المختلطة التي تتعامل مع الربا اقتراضاً أو إقراضاً بصرف النظر عن مقدار المال المقُتَرض بالربا أو المُقرَض به، أو عن نسبة ناتج الشركة من العنصر المحرم، فالشركة التي تتعامل بالربا ولو قل يَحرم التعامل معها، لأن قليل الربا غير مغتفر، فقد أخرجه مسلم عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قال: «لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ» ، وَقَالَ: «هُمْ سَوَاءٌ» . ووجه الدلالة أنَّ آكل الربا ومؤكله ملعون بصرف النظر عن مقدار الربا المأكول أو المؤكل، بل وإنّ كاتب الربا وشاهده عليهما نفس الوزر لإعانتهما على الربا، فدل ذلك على التحريم لمطلق الربا.
وإنّ القاعدة الفقهية: "درء المفاسد أولى من جلب المصالح" ، تؤكد ذلك الأمر، فالشركات المساهمة المختلطة التي تعمل في النشاطات الحلال وإن كان فيها مصالح مهمة لا تُنكَر، لكن خالطها مفاسد الربا، فوجب تغليب درء مفاسد الربا على جلب مصالح التجارة أو الصناعة التي تقوم بها الشركة، فإن اعتناء الشارع بالمنهيات أشد من اعتنائه بالمأمورات .
ويستثنى مما سبق حالة واحدة وهي كون المُساهِم أو المساهِمين في تلك الشركات المختلطة يقصدون من مساهمتهم تغيير قانونها الأساس، وجعلها شركات حلال، لا تتعامل بالربا لا اقراضاً ولا اقتراضاً، ففي هذه الحالة يجوز لهم المساهمة في تلك الشركات لذلك الغرض طالما كانت مساهمتهم بمقدار تمكنهم من تحقيق ما يقصدونه من فعل الخير، فهذا جائزٌ لأن الأمور بمقاصدها.
أما عن مساهمة البنك الربوي في شركات لا تتعامل بالربا فهي مسألة أخرى، لا تؤثر في جواز التعامل مع تلك الشركات، ولا تعكر مشروعيتها، فليس في هذه الصورة إعانة على الربا، بل فيها إعانة المرابي – وهو البنك التجاري- على عمل مشروع وحلال، والشريعة الإسلامية تفصل ما بين التعاملات التجارية وذمة الاطراف فيها، فالبيع الصحيح وإن كان لمرابٍ فإنه يبقى صحيحاً، وكذا الإجارة وسائر العقود، فأسوأ ما يمكن أن يكون عليه الشخص هو الكفر، وقد أباح الإسلام التعامل مع الكفار، أخرج الشيخان من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعاً من شعير.، وأخرج البخاري عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَخْبَرَهُ: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ" .
فإن جاز الرهن والبيع والاجارة والمزارعة وسائر العقود الصحيحة من الكفار، فإنها جائزة ممن هو دونهم، لأن الرابطة التعاقدية لا تتعدى إحداث الأثر المقصود من العقد، كنقل الملكية في البيع أو بذل المنفعة في الإجارة، أو تقاسم ناتج الأرض في المزارعة، وكل تلكم العقود جائزة شرعاً. ولا يُكَلَّف المسلم تحرّي حِلِّيَّة مال من يعامله في عقود المعاوضات المختلفة، ولا يستطيع ذلك، وحتى لو علم أنَّ من يعامله يرابي أو يغش فالإثم يتحمله الغاش أو المرابي ، والحرمة تتعلق بأفعالهما، أما المال نفسه فهو شيء من الأشياء لا يتعلق به حكم شرعي، لأنَّ الحكم الشرعي يتعلق بذمم المكلفين حصراً، ولا يتعلق بالأشياء.
وعليه فلا مانع شرعاً من التعامل مع الشركات أو البنوك التي تسهم في ملكيتها البنوك الربوية أو بعض الأشخاص من غير المسلمين، طالما كانت تلك المؤسسات لا تمارس عملاً محظوراً في الشرع الإسلامي الحنيف.
مراجع:
النيسابوري، مسلم بن الحجاج أبو الحسن القشيري، صحيح مسلم، كتاب الطلاق، بَابُ لَعْنِ آكِلِ الرِّبَا وَمُؤْكِلِهِ، جزء 3 صفحة 1219.
السبكي، تاج الدين عبد الوهاب بن تقي الدين ، الأشباه والنظائر، جزء 1، صفحة 105، الطبعة: الأولى، عدد الأجزاء: 2، صفحة 105، دار الكتب العلمية - 1991م.
الزرقا، أحمد بن محمد، شرح القواعد الفقهية ، صفحة: 205.
البخاري، الإمام محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، كِتَاب المُزَارَعَةِ، بَابُ المُزَارَعَةِ بِالشَّطْرِ وَنَحْوِهِ، جزء 3 صفحة 103.