سؤال
رقم مرجعي: 578925 | قضايا طبية معاصرة | 18 يونيو، 2019
الحكم في استخدام وسائل المساعدة في الانجاب مثل طفل الانابيب او تأجير الارحام
الحكم في استخدام وسائل المساعدة ف الانجاب مثل طفل الانابيب او تأجير الارحام وغيره من الوسائل الاخرى
إجابة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق سيدنا محمد الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد؛
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بالإشارة إلى سؤالك المثبت نصه أعلاه، فإن الوسائل المساعدة في الإنجاب لا تباح إلا إذا تعذر الإنجاب الطبيعي بالإجمال، وعند ذلك تكون محكومة بمجموعة من الضوابط أهمها أن تكون البييضة والحيوان المنوي لزوجين على قيد الحياة، مع استمرار الحياة الزوجية بينهما وعدم انتهائها بموت أو طلاق، وعلى أن يجري ذلك العمل الطبي والعلاج أطباء من نفس جنس كل واحد من الزوجين عند التعامل معهما إلا عند التعذر، وقد نص قرار مجلس الإفتاء الأعلى على كل هذه التفاصيل والضوابط، جاء في القرار رقم 2/4 بتاريخ 27/1/1417 وفق 13/6/1996 حول التلقيح الصناعي، والأسئلة الآتية:
1- ما حكم التلقيح الصناعي؟
2- ما حكم استئجار الرحم من زوجة ثانية؟
3- ما حكم تلقيح الزوجة بمني زوجها بعد وفاته؟
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
أولاً: كيفية التلقيح الخارجي: إن التلقيح خارج رحم المرأة أمر مستحدث في هذا العصر، وصورته: أن يؤخذ حيوان منوي لرجل وبويضة امرأة، ويتم تلقيحهما في ظروف مشابهة للطبيعية ولكن في المختبر، وبعد تكوين اللقيحة تزرع في رحم المرأة. وهذا أمر بدأ في الغرب ويتم هناك حسب مفاهيمهم، فهم لا يتقيدون بالحلال والحرام، وعليه فإن التلقيح الصناعي: هو كل طريقة أو صورة يتم فيها التلقيح والإنجاب بغير الاتصال الجنسي الطبيعي بين الرجل والمرأة.
ولذلك يجب أن نعرف الظروف التي يباح فيها مثل هذا التلقيح: إن هذا التلقيح يلجأ إليه المصاب بالعقم سواء رجل أم امرأة، وإننا نحترم رغبة الزوجين في الإنجاب وهي رغبة مشروعة وهدف نبيل. قال عليه الصلاة والسلام ( انكحوا، فإني مكاثر بكم ) ( رواه ابن ماجة 1853) ولكن العقم درجات فهناك ما يمكن علاجه بالأدوية والجراحة ففي هذه الحالة لا يجوز للزوج أن يلجأ للتلقيح الصناعي طالما شفاؤه ممكن عن طريق العلاج. أما إذا تعذر العلاج بالعقاقير فلا مانع من اللجوء إلى التلقيح الصناعي.
أما الضوابط الشرعية التي وضعها مجلس الفتوى الأعلى لذلك فهي:
1- أن يكون الحيوان المنوي من الزوج.
2- أن تكون البويضة من زوجته.
3- أن تشرف على العملية بالنسبة للمرأة التي تخضع لمثل هذا الأمر طبيبة مختصة إن أمكن، وإلا فيجب ألا ينكشف من المرأة إلا بقدر الحاجة فقط.
4- أن يتم زرع اللقيحة في رحم الزوجة المأخوذ منها البييضة فقط.
5- أن تكون ثمة ضرورة طبية داعية لهذا الإجراء.
6- أن يتيقن من عدم استبدال الأنبوبة التي تحضن فيها بويضة ومني الزوجين بعد تلقيحها.
7- أن يكون ذلك حال قيام الزوجية، وأن يكون ذلك برضى الزوجين.
ثانياً: أما بالنسبة لتلقيح حيوان منوي للزوج مع بييضة زوجته ثم تزرع اللقيحة في رحم زوجته الثانية، على أن ينسب الولد للأولى التي أخذت منها البييضة فهذا ما يعرف باستئجار الرحم وهو أمر غير مشروع بل هو حرام، لما يترتب على عملية الزراعة من مشكلات.
أما القول بأن التي تلده هي بمثابة أمه بالرضاعة فهذا قياس غير صحيح. ذلك أن الآية الكريمة نصت على أن أم الولد هي التي تلده قال تعالى: }إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ { ( سورة المجادلة: الآية 2 ) إن الأمومة من الزوجة أمر مشروع بل مندوب إليه، قال عليه الصلاة والسلام: ( تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ ) (رواه أبو داود رقم 1754 ). أما الرضاع: الأصل فيه أن المرضع للطفل أمه التي أنجبته ولا يعدل عن ذلك إلا لضرورة شرعية، فالرضاع من غير الأم خلاف الأولى، فإن أرضعته امرأة أجنبية فإنه يترتب عليه حرمة كحرمة النسب، وهذا التحريم ينسجم مع حكمة تحريم الزواج بالمحارم وينسجم مع الندب إلى تغريب النكاح.
للرضاع أحكام شرعية مبينة في كتب الفقه فلا يوجد مجال للقياس بين أمرين ورد في كل منهما نص شرعي، قال تعالى: } لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ { ( سورة يونس: الآية 64 ).
أما بالنسبة لتلك التي قدمت البييضة منها فإنها ارتكبت إثماً فقد عملت على خلط الأنساب. انظر إلى حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم عندما سُئِل عن وصل الشعر فقال: ( لعن الله الواصلة، والمستوصلة ) ( رواه البخاري 5477 ). وتقديم البييضة هو أفحش من وصل الشعر بشعر أنثى أخرى ولا عبرة بأنها زوجة لنفس الزوج وأنها قدمتها لضرتها، إذ باستطاعة الزوج أن يعقد على المرأة التي يريد أن يستأجر رحمها حتى إذا وضعت طلقها وأخذ الوليد. فلا مجال للقياس بين الرضاع وخلط الأنساب، وبما أنه يحرم نقل اللقيحة إلى زوجة ثانية فمن باب أولى تحريم نقل اللقيحة إلى امرأة أخرى.
ثالثاً: أما بالنسبة لتلقيح الزوجة بمني زوجها ولكن بعد وفاته فهو أمر مرفوض وهو حرام شرعاً، فمن المعلوم لدى الفقهاء أن مجامعة الميت لا تجوز والتلقيح هنا فيه معنى المجامعة. فالصلة الزوجية قد انقطعت بينهما بالوفاة، وإن كان آثار تلحق بالعدة فإنما هي على اعتبار ما كان قبل الوفاة ولا مجال لإنكاره أو وقفه مثل كونها حاملاً منه من الآثار ثبوت نسب الولد ...، كما أن العدة إنما هي لإبراء الرحم مما قد يكون فيه من آثار ثبوت الزواج، والعدة شرعاً: أجل يلزم المرأة أن تتربصه عند زواج النكاح بطلاق أو فسخ أو موت.( حاشية ابن عابدين - ج3 ص 504 )
وإن تلقيح الزوجة بمني زوجها بعد وفاته فيه تعطيل لأحكام شرعية كالميراث، والزواج، والعدة الشرعية، ومخالفة الوقوع في مفاسد اجتماعية إعمالاً للقاعدة الشرعية ( درء المفاسد أولى من جلب المنافع ). وأما القول بأنه يسمح للزوجة أن تغسل زوجها حين وفاته وبالعكس أيضاً فهذا مما يدل على جواز اللمس وأنها لم تصبح أجنبية عنه، نقول أن هذا الأمر قد ورد فيه نص شرعي عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن مجلس الفتوى الأعلى يرى أنه لا يجوز أن نتجاوز النص إلى ما لا يحتمله فالأمر الأكبر وهو الجماع لا يندرج تحت الأصغر وهو اللمس.
نخلص من هذه المسائل إلى ما يأتي:
1- مشروعية التلقيح الصناعي وذلك في حالة واحدة فقط: حين يكون الحيوان المنوي من الزوج وأن تكون البييضة من زوجته.
2- تحريم استئجار الرحم ولو مع زوجة ثانية.
3- تحريم تلقيح الزوجة بمني زوجها بعد وفاته.))
والله يقول الحق وهو الهادي إلى سواء السبيل