سؤال
رقم مرجعي: 684456 | فقه العقوبات |
ما حكم إلزام القاتل ببديل شرعي في الدية غير الابل؟
ما حكم إلزام القاتل ببديل شرعي في الدية غير الابل؟
إجابة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الانبياء والمرسلين سيدنا محمد –صلى الله عليه وسلم- وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد،
للاجابة على السؤال لا بد من بيان الأصول التي تجب فيها الديات . وذلك على النحو الآتي:
أولاً: أصول الدية:
-اتفق الفقهاء على أن الابل أصل في دفع الدية وتقبل بلا خلاف. واختلفوا فيما عداها من الأموال، هل تعد من أصول الدية أم لا؟
-فعند الشافعي في الجديد وأحمد في أحد الروايتين وابن حزم الظاهري لا يعتبر في الدية إلا أصل واحد هو الابل، وما سواها من الأموال كالذهب والفضة لا تعد من الأصول، لكن يجوز أن تكون بديلاً عنها عند الحاجة، وعندئذ تقوم بها الابل بالغة ما بلغت، لقوله صلى الله عليه وسلم: -في النفس مائة من الابل-. ولأن النبي صلى الله عليه وسلم فرق بين دية الخطأ ودية العمد فغلظ بعضها وخفف البعض الأخر، ولا يتحقق هذا إلا في الابل.
-وذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة في الرواية الثانية والشافعي في القديم الى أن الدية تجزئ من أصول ثلاثة: الابل والذهب والفضة. لقوله صلى الله عليه وسلم: في النفس مائة من الابل، ولأنه صلى الله عليه وسلم- قضى فيهاعلى أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق باثني عشر ألف درهم كما جاء في السنن من حديث عمرو بن حزم المشهور في الديات.
-وأضاف الصاحبان من الحنفية والحنابلة في المعتمد البقر والغنم والحلل لتصبح ستة أصول. وهو قول عمر وفقهاء المدينة السبعة، لقول عمر رضي الله عنه: ألا إن الابل قد غلت ففرضها على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق اثني عشر ألف درهم وعلى أهل البقر مئتي بقرة وعلى أهل الشياه ألفي شاة وعلى أهل الحلل مئتي حلة.
ثانياً: يجزئ إخراج الدية من أحد الأصول الثلاثة: الابل الذهب والفضة على رأي جمهور أهل العلم ويخير الجاني في إخراج ما شاء منها.
جمهور أهل العلم من الحنفية والمالكية والحنابلة والشافعية في القديم قرروا بأن اصول الدية متنوعة وغير قاصرة على الابل. وبالتالي يجوز إخراج الدية من هذه الاجناس الثلاثة: الابل والذهب والفضة وأولياء الجاني يخيروا في اخراج ما شاؤوا منها. فما لزم في الذمة ليس معيناً بذاته، وإنما وجب في أكثر من نوع فيخير الملكف بينها. وهذا ما يسمى عند الأصوليين بالواجب المخير ويعني: ما طلب الشارع من المكلف فعله من أمور معينة على وجه التخيير وتبرأ ذمته بأدائه كما في التخيير في كفارة اليمين بين الاطعام والكسوة والعتق. لما في التخيير من توسعة على الملكف في أداء ما طلبه الشارع منه، وهذا بخلاف الواجب المعين الذي يطلبه الشارع بعينه ولا تبرأ ذمة المكلف إلا بأدائه عيناً كما في الصلاة والصوم.
ثالثا: وهل لأولياء المقتول إلزام أولياء القاتل بأداء أحد الأصول الثلاثة في الدية.
ليس لأولياء المقتول الزام أولياء الجاني بما يجب عليهم أداؤه، وإنما يختاروا إخراج ما شاؤوا من الأصول المشار اليها وهذا ما ذهب اليه جمهور الفقهاء. -كما أسلفنا- وعلى أولياء المقتول قبول ما اختاره أولياء الجاني ويلزمهم ذلك، لأن الواجب تعلق بذمة الجاني بالزام الشرع فيخير فيه. فليس لهم الزامهم بما يختارونه وإنما يلتزموا بما الزمهم الشارع به، وهو أنواع متعددة.
قال صاحب المغني: "تحت عنوان: فصلٌ: الديةُ متى وجدت على الصفة المشروطة وجب أخذها: أي شيء أحضره من عليه الدية، القاتل أو العاقلة، من هذه الأصول لزم الولي أخذه ولم يكن له المطالبة بغيره سواء كان من أهل ذلك النوع أم لم يكن لأنها أصول في قضاء الواجب يجزئ واحد منها، فكانت الخيرة الى من وجبت عليه، كخصال الكفارة.
وفي السيل الجرار: هي مائة الابل... ومن البقر مئتان ومن الشاء ألفان ومن الذهب ألف مثقال ومن الفضة الاف ويخير الجاني فيما بينها.
وبعد هذا البيان فإن المجلس يرى:
أن الأخذ بما ذهب اليه جمهور أهل العلم من المذاهب الأربعة هو الأوجه والأرجح والذي قوامه اعتماد الابل والذهب والفضة أصول للديات، ويخير أولياء الجاني باخراج أي منها ويجزؤهم، ويلزم أولياء المقتول قبول ذلك، وليس لهم إلزام أولياء القاتل غير ما اختاروا.
وهذا الحكم خاص بالقتل الخطأ، وذلك لما يلي:
1-إن اعتماد الابل والذهب والفضة كأصول للدية هو من مذهب أكثر أهل العلم من المذاهب الفقهية الأربعة المعتبرة عند أهل السنة والجماعة لثبوت مشروعيتها بالسنة الصحيحة والمشهورة.
2-تعدد أصول الدية وتنوعها خاص بجناية القتل الخطأ وهذا يتماشى مع طبيعة التشريع الاسلامي في التخفيف وعدم التغليظ فيها لما في تعدد اصول الديات والتخيير بينها من السعة والتيسير ومساعدة الجاني على تحمل عبء الدية وأدائها.
3-إن رأي جمهور الفقهاء يتناسب مع واقع التداول المالي لبلادنا فلسطين، فإن الابل يعز فيها، فيغلو ثمنه، بينما يعم فيها التعامل بالنقد الذي حل محل الذهب والفضة، والفقهاء قرروا خلال مناقشاتهم لهذه المسألة أن المعتبر في الوجوب ما عليه تعامل أهل البلد تيسيراً على الناس وتخفيفاً عنهم عند الأداء.
4-يؤكد المجلس بأن هذا الحكم خاص بحالة القتل الخطأ، وأما في حالة القتل شبه العمد أو العمد عند المصير الى الدية، فإن الأصل تغليظ الدية ومن وجوه التغليظ أن يصار الى عدم التخيير بل يُلزم الجاني بأغلى قيم الاجناس، ردعاً وزخراً عن التهاون في القتل، وحفظاً للنفوس التي هي من أهم مقاصد الشريعة الواجب حفظها ، والله أعلم
المراجع:
- السرخسي: المبسوط 26/71
- الكاساني: البدائع 7/253
- الدسوقي: حاشية الدسوقي 4/262
- النفراوي: الفواكه الدواني 2/266
- الشربيني: مغني المحتاج 4/56
- الشافعي: الام 6/113
- ابن قدامة: المغني 8/369
- البهوتي: كشاف القناع 6/18
- الشوكاني: السيل الجرار 1/900
- الغزالي: المستصفى في أصول الفقه 1/54
- -الكيلاني: التدابير الشرعية لحفظ النفس في الفقه الاسلامي ص33.
- كتاب عمرو بن حزم في الديات – السنن