سؤال
رقم مرجعي: 781089 | الميراث و الوصايا والوقف والأحوال الشخصية | 10 سبتمبر، 2019
ما حكم ختمة القرآن الكريم عن روح المتوفى؟ وما حكم قراءة القرآن الكريم فوق القبر بعد الدفن مباشرة؟
السلام عليكم، ما حكم ختمة القرآن الكريم عن روح متوفي؟ وما حكم قراءة القرآن الكريم فوق القبر بعد الدفن مباشرة؟
إجابة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق سيدنا محمد الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد؛
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بالإشارة إلى سؤالك المثبت نصه أعلاه، فإن قراءة القرآن عن الميت مشروعة وتصل إلى الميت في الراجح من أقوال العلماء، وقد صدر بذلك قرار مجلس الإفتاء الأعلى في فلسطين الرقم :232/2013/16 قرار 1 / 111الموافق 2013/11/28 بعنوان حكم قراءة القرآن عن الميت وفي المأتم السؤال: ما حكم قراءة القرآن عن الميت وفي المأتم؟ : ((
الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وآله وأصحابه وبعد:
فإن هذا القرآن الكريم رحمة للأمة، وهو دستورها، وعنوان صلاحها، ورمز عزتها ومجدها وكرامتها، ومما لا ريب فيه، أن قراءة القرآن عبادة يُثاب عليها القارئ والسامع، إن قصد بذلك التقرب إلى الله تعالى، الذي يدعونا إلى قراءته والانتفاع به، والاهتداء بهديه، يقول تعالى: } إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرً{ ] الإسراء: 9 [.
ويقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (( اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ )). ] صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل قراءة القرآن وسورة البقرة [
فلا يجوز هجر الأمة للقرآن الكريم، ويكون ذلك حين لا تعمل بهديه، ولا تتخلق بأخلاقه، وآداب حملته، ثم لا تتذكره إلا في حالات الموت، ومجالس العزاء، وإذا تلي فيها، فلا أحد يستمع إلا من رحم الله، والله تعالى يقول: } وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ {. ] الأعراف: 204 [
وبالنسبة إلى الشق الأول من السؤال، فقد اختلف العلماء في مسألة قراءة القرآن، وجعل ثواب ذلك للميت، على قولين:
القول الأول: المانعون، وهو قول بعض المالكية والشافعية، مستدلين بقوله تعالى: } وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى {. ] النجم: 39 [، ولحديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (( إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ )). ] صحيح مسلم، كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته [، وهؤلاء يعدون القراءة عن الميت بدعة منكرة، لا يثاب فاعلها، ولا ينتفع بها من وهبت له، وأخذ بهذا الرأي ابن باز، ومعظم علماء الديار الحجازية المعاصرين.
القول الثاني: المجيزون، وهم جمهور العلماء من الحنفية، والحنابلة وبعض المالكية، والشافعية، واختيار ابن تيمية، وبوّب الحنفية في كتبهم تحت عنوان، " باب يصل ثواب القرآن للميت "، وقالوا ما نصه: "" ومما يدل على هذا، أن المسلمين يجتمعون في كل عصر، ويقرؤون، ويهدون لموتاهم، ولم ينكره منكر، فكان إجماعاً"، وردوا على استدلال المانعين بحديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ((إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ )) فقالوا: " إن إخباره عليه السلام عن انقطاع عمل الميت إلا من هذه الثلاث، لا يلزم منه انقطاعه عن غيرها". ] انظر اللباب: 1/334 [
وجاء في المغني لابن قدامة: " وأي قربة فعلها، وجعل ثوابها للميت المسلم، نفعه ذلك، إن شاء الله تعالى، وينقل عن بعضهم: وإذا قرئ القرآن عن الميت، أو أهدي إليه ثوابه، كان الثواب لقارئه، ويكون الميت كأنه حاضرها ، فترجى له الرحمة بهذا القرآن، وإنه إجماع المسلمين؛ فإنهم في كل عصر ومصر يجتمعون ويقرؤون القرآن، ويهدون ثوابه إلى أمواتهم من غير نكير، ولأن الحديث صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم- ( أن الميت يُعذب ببكاء أهله عليه )، والله أكرم من أن يوصل عقوبة المعصية إليه، ويحجب عنه المثوبة. ] انظر المغني لابن قدامة: 2/225 [
كما أجاز ابن تيمية وصول ثواب القراءة والصدقة وغيرها من أعمال البر إلى الميت، قائلاً: إنه لا نزاع بين علماء السنة والجماعة، في وصول ثواب العبادات المالية؛ كالصدقة، والعتق، كما يصل إليه أيضاً الدعاء، والاستغفار، والصلاة عليه، وصلاة الجنازة، والدعاء عند قبره، وتنازعوا في وصول ثواب الأعمال البدنية؛ كالصوم، والصلاة، وقراءة القرآن، والصواب أن يصل إليه الجميع؛ أي يصل ثوابها للميت، وهو اختيار جملة كبيرة من العلماء؛ كأبي حنيفة، وأحمد بن حنبل، وطائفة من أصحاب مالك، والشافعي. ] انظر مجموعة فتاوى ابن تيمية: 4 /315/366 [، وأجاز تلميذه ابن القيم ذلك أيضاً، غير أنه اشترط أن تكون القراءة تطوعاً بغير أجرة.
وذكر النووي في رياض الصالحين، تحت عنوان: " الدعاء للميت بعد دفته والقعود عند قبره، ساعة للدعاء له، والاستغفار له، والقراءة " أن الشافعي قال: " ويستحب أن يقرأ عنده شيء من القرآن، وإن ختموا القرآن كان حسناً ". ] رياض الصالحين، ص 386 [.
ويناءً على ما تقدم من الأقوال، فإن مجلس الإفتاء الأعلى يرى وصول ثواب قراءة القرآن للميت، ويعد ذلك من القربات، إذا روعي فيها ما يأتي:
1- الإخلاص لوجه الله الكريم.
2- أن يكو الميت قد مات على الإيمان.
أما ما يتعلق بجواب الشق الثاني من السؤال، والمتعلق بحكم قراءة القرآن في المآتم، فيرى المجلس أن قراءة القرآن عبادة في كل وقت وحين، إذا تحققت شروطها، وأهم هذه الشروط:
1- الالتزام بآداب سماع تلاوة القرآن، والإنصات له، للعظة والاعتبار، لقول تعالى: } وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ {. ] الأعراف: 204 [
2- البعد عن الرياء والمباهاة.
3- تجنب كل ما يخالف السنة، من بدع، ومنكرات تصاحب هذه القراءة.
ونقول للأخ السائل الكريم، بأنه إذا تم الالتزام بهذه الشروط، وتعظيم كلام الله تعالى، والاستماع لآيات القرآن، والتدبر فيها، والاتعاظ بحال الميت، فإنه لا بأس بتلاوة القرآن في المأتم، وإذا لم يتم الالتزام بذلك، فالأولى والأفضل ترك قراءة القرآن في مثل هذه المجالس، التي لا يتم فيها توقير كلام الله تعالى، جلّ شأنه.))
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل