سؤال
رقم مرجعي: 835538 | قضايا طبية معاصرة | 29 سبتمبر، 2018
حكم تحديد نوع الجنين بالحقن المجهري
ما حكم تحديد نوع الجنين بالحقن المجهري بالمختبرات الطبية المعتمدة؟
إجابة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله... أما بعد
فإن مسألة تحديد نوع الجنين من المسائل التي ظهرت مع تطور الطب وأدواته ووسائله . وإن اختلاف الفقهاء في حكم هذه المسألة سببه عدم وجود دليل خاص لها وهل هذا الإجراء يخالف أصل الشرع في تفرد الخالق سبحانه بتحديد نوع الجنين أم لا؟ وهل يعد ذلك من التدخل في الغيب الذي لا يطلع عليه إلا الله أم لا؟ وكما هو معلوم أن الرجال منهم من يحمل منيّه حيوانات ذكرية وحيوانات أنثوية ومنهم من اقتصر على حيوانات ذكرية أو حيوانات أنثوية ومنهم من لم يحمل لا حيوانات ذكرية ولا حيوانات أنثوية فهم أقسام ثلاثة كما بين سبحانه وتعالى ذلك بقوله: ((لله مُلك السموات والأرض يخلق ما يشاء يهبُ لمن يشاءُ إناثاً ويهبُ لمن يشاء الذكور, أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً إنه عليم قدير) [الشورى]. ووسائل تحديد الجنين متنوعة إما عن طريق أكل نوع من الغذاء أو تعاطي مصل أو يؤخذ المني من الرجل ويتلف الحيوانات الأنثوية منه وهذه الطريقة هي المفضلة عند الأطباء بنسبة عالية وتسمى بالتخصيب المجهري.
والذي يظهر من الأدلة وقواعد الشرع أن عملية تحديد جنس الجنين جائزة شرعاً للوجوه الآتية:
1- أن هذه العملية من جنس الأسباب العادية والأصل في تعاطي الأسباب الإباحة ما لم يرد نهي عنه وليس في الشرع دليل يدل على منعه.
2- أن هذه العملية داخلة في معنى التداوي وقد وسّع الشرع في باب التداوي و رغّب فيه، وقد تكلم في هذه القضية الناس في الماضي فقال البعض إن تناول بعض الأطعمة قبل الحمل ربما يؤدي إلى ان تحمل المرأة ذكراً أو أنثى، ولا يوجد في الشرع ما يمنع المرأة أن تتناول طعاماً معيناًلهذه الغاية.
3- أن هذا لا ينافي أبدا اختصاص الخالق بتحديد الجنس وليس فيه منازعة لشيء من صفاته لأنه لا يعدو أن يكون سببا كسائر الأسباب والله هو الخالق والموجد له حقيقة وأثراً وهو المصور له قال تعالى: (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)[آل عمران], فالمخلوق يفعل هذا السبب والله تعالى هو الذي يجعله مؤثرا أو يبطل أثره حسب مشيئته وما اقتضته حكمته فالله خالق الأسباب ومسبباتها ولا يستطيع المخلوق مهما كان أن يجزم بحصول النتيجة بل الأمر كله لله سبحانه وتعالى لكن تسليم الأمر لله لا يمنع من تعاطي الأسباب المباحة. كما يجوز للعقيم أن يبذل وسعه في حصول الولد مع أن العقم كتب عليه في ظاهر الأمر والله هو المتفرد في خلق الولد والرازق حقيقة ومع ذلك لم يمنع العبد من السعي وتعاطي الأسباب لعلاج العقم ولا أحد ينكر تطور الطب ونفع وسائله بإذن الله في هذا الزمن من طفل الأنابيب والتلقيح الصناعي وغيره وقد كان الناس قبل ذلك عاجزين في الغالب عن علاجه والكل من قدر الله في حالة رزق الولد أو منعه.
4- ورد في الشرع ما يشهد لهذا الأصل وهو أن الشرع أباح العزل في الجماع لإتقاء الولد ورخص الفقهاء في تعاطي الدواء المانع من الحمل مع أن الأمر كله لله والانسان لا يستطيع حقيقة منع الحمل والولد. ونحن حينما نتعاطى هذا السبب نوقن أن المدبر والخالق والمؤثر في منع الولد ورزقه هو الله. روى جابر: (أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي جارية هي خادمتنا وسانيتنا في النخل، وأنا أطوف عليها وأكره أن تحمل، فقال: "اعزل عنها إن شئت، فإنه سيأتيها ما قدر لها) رواه مسلم.
5- إن تمنّي الوالدين الحصول على الذكر أمر مباح لا شيء فيه وهو محبب إلى كثير من النفوس وما دام هو مباح فكل وسيلة تحقق هذا الغرض مباحة مثله. وإنما نهى الشرع عن كراهة الأنثى وذمها وإساءة الظن بها واعتقاد أنها تجلب العار والفقر كحال أهل الجاهلية، بالإضافة إلى أن تحديد جنس الجنين لا يقتصر على الذكور فربما هناك من العائلات من ترغب بوجود الإناث فيها. 6- ليس في ذلك دعوى الطبيب للغيب أو مشاركة الله في صفته بل حقيقته أن العبد يبذل سببا ويرجو حصول أثر هذا السبب في المستقبل والأسباب إذا كانت نافعة أثرت بإذن الله كما أن الزارع يبذر أشياء ويرجو حصول أنواعا خاصة وربما لخبرته وقرائن معتبرة غلب على ظنه حصول مطلوبه وليس ذلك من ادعاء الغيب. ومع ذلك فينبغي تضييق هذا الأمر وعدم الترخيص به إلا في الأحوال الخاصة كمن حرم الذكور في أولاده أما في الأحوال العامة وعدم الحاجة فلا ينبغي فتح الباب على اطلاقه.
والله تعالى أعلم.