سؤال
رقم مرجعي: 104668 | فقه العقوبات | 10 نوفمبر، 2019
ما حكم الشروط التي تضعها العشائر في دية القتل؟ وهل هي مطابقة للشرع الإسلامي؟
السلام عليكم ماهو حكم الشروط التي تضعها العشائر وخصوصا في ديه القتل وهل هو مطابق لشرع الاسلامي؟ ام هو من العرف السائد ويبنى عليه الحكم؟
إجابة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق سيدنا محمد الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد؛
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بالإشارة إلى سؤالك المثبت نصه أعلاه، فإن حكم العشائر وقضاتها مأخوذ من مجموعة من الأعراف والعادات والتقاليد عبر التاريخ القريب والبعيد، وأحكامه منها ما هو متوافق مع الشرع، ومنها ما هو معارض، ولا بد من التفريق بين القضاء العشائري والإصلاح الذي يقوم في الغالب على التراضي والتسامح، وقد درس مجلس الإفتاء الأعلى حكم قاضي المنشد و بعض جوانب القضاء العشائري، وأصد قراره رقم: 1/2018/298، قرار 1 / 159 بتاريخ: 24 ربيع الثاني 1439هـ الموافق 11 كانون الثاني 2018م: ((
حكم الشرع في قضاء المنشد المعمول به في العرف العشائري
السؤال: ما حكم الشرع في قضاء المنشد المعمول به في العرف العشائري؟
الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وآله وأصحابه وبعد:
فالقضاء العشائري في فلسطين مرجعه إلى العُرف السائد بين الناس، وقد انتشر بسبب عدم تطبيق الحدود الشرعية، كما أنه يتسم بسرعة البت في القضايا المطروحة، وسهولة تطبيق الأحكام، لوجود الشروط المُلزمة والكفل على التطبيق، وقد كان للقضاء العشائري ولا يزال دور بارز في حل النزاعات والإصلاح بين المتخاصمين، وهو معتبر في الدولة، كرديف للشرع والقانون في إحلال السلم الأهلي.
ومن القضاء العشائري المتعارف عليه المنشد، وهو أعلى درجة في القضاء العشائري، ويختص بقضايا العِرض والشرف وحُرمات البيوت، ويتصف حكمه عادة بالتشديد والتغليظ حتى يكون رادعاً وزاجراً.
وحكم قاضي المنشد نهائي لا رجعة فيه، وليس لأحدٍ حق الاعتراض عليه، وعلى الأطراف المتخاصمة القبول به، ويكون في بيت قاضٍ عشائري معروف، ورث المكانة خلفاً عن سلف، والقضاء العشائري ومنه المنشد نوعان:
الأول: ما كان موافقاً للشرع الحنيف من كتاب أو سنة، أو داخلاً في الصلح أو التحكيم المُقريّن شرعاً، وهذا جائز لا خلاف في قبوله عند أهل العلم.
الثاني: ما كان مخالفاً لأحكام الإسلام ومنافياً لمقاصده وقواعده العامة، وهذا غير جائز، ويجب رده وعدم قبوله، إذ لا يجوز الحكم بالأعراف المخالفة لشرع الله، فالله تعالى يقول: } فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا {. ( النساء: 65 )
ومن أهم الملحوظات التي سجلت على قضاء المنشد ما يأتي:
1- لا يُقر الشرع تحميل أقارب الجاني المتعمِد تبعات الجريمة؛ لقول الله تعالى: } وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى {. ( فاطر: 18 ) بينما في المنشد يلزمون عشيرة الجاني بدفع أجرة قاضي المنشد، وبكل ما يصدر عنه من أحكام.
2- الأحكام في المنشد لا تتناسب مع الجريمة؛ والقاعدة العامة في العقوبات أن التعزير يجب أن لا يزيد عن مقدار الحدود، فالله تعالى يقول: } وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا { . ( الإسراء: 33 )
3- الأجرة التي يتقاضاها قاضي المنشد مبالغ فيها جداً، وهذا الأمر يجعله هدفاً للتكسب وجمع المال.
4- وسائل الإثبات في قضاء المنشد تختلف عن الوسائل المقرة في القضاء الإسلامي.
5- القاضي في الشرع يُعين من قبل الدولة، ويكون قد وصل إلى درجة من العلم تؤهله لهذا المنصب، أما قاضي المنشد فإنه يتوارثه عن سلفه.
6- القضاء في الشرع يستند إلى الأدلة الشرعية والمواد القانونية الثابتة المستمدة من الشرع الحنيف، بينما في قضاء المنشد يستند إلى ما قال الأسلاف، فعند بدء النطق في الحكم يقول: " من عندي ومن عند الرجال من قبلي ".
7- القاضي في الشرع له جهة تحاسبه إن أخطأ، وهناك درجات للتقاضي يمكن الاعتراض لديها على الحكم، بينما المنشد ليه عليه رقابة، ولا مرجعية له، ولا اعتراض على حكمه.
وعليه، فإن مجلس الإفتاء الأعلى في فلسطين يرى أن المنشد - على هذا الوجه - لا يجوز الحكم به، ولا التحاكم إليه، ولا الاستعانة به، وعلى المسلمين أن يتحاكموا إلى كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في كل شيء، قال الله تعالى: } أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا { . ( النساء: 60 )، وقال تعالى: } أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ { . ( المائدة: 50 ) ))
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل
والله أعلى وأعلم